إجمالي مرات مشاهدة الصفحة


الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

الحب في زمن الحظر

الحب في زمن الحظر
في تلك الليالي الصيفيه المليئه بصخب المدينه وضحكات زبائن المقاهي وجولات الشباب بين السير في الطرقات ومرح الحوارات وجنون العدو في غياب السيارات والماره ومحال العشوئيات الساهره تفوح منها رائحه شواء اللحوم وضحكات النساء امام المنازل وخلسه نظر المحبين من خلف شيش الشباك المجاور 
الكل يعدو ويمرح وفي قلبه حزن يختبئ خلف ورم خبيث اسمه الاحداث والاعتصامات في الشوارع يتصارعون احيانا ويتغامزون احيانا ويتصالحون احيانا ويشربون الشاي سويا ويحكون الهموم سويا ويبكون علي الوطن سويا ويضحكون علي النخبه والاعلام سويا وتستمر الايام الكل يذهب ويجئ وفي قلبه تلك المراره
وكان عم حمدي صاحب العقار القديم العريق في حي شبرا المزدحم بالناس والباعه والمتحاورين يلملم زملائه واقاربه ويجلسون امام المنزل يتسامرون ويتنفسون هواء الليل الصيفي مع دخان الشيشه وجاء هو غريب يدرس في الجامعه يبحث عن مسكن ونزل مستأجرا في هذا العقار لولا انه من طرف صديق عم حمدي ما كان سكن بالطبع واعتاد الشاب الجلوس في تلك الليالي الصيفيه وهو يومئ براسه موافقا علي مباريات الاراء المحيطه به مع اختلافهم الا انه يوافق ولا يتكلم
حتي ان المجتمعين اطلقوا عليه لقب الاخرس السامع وكان كل منهم يستنجد به ليؤيد كلامه بايماءه الموافقه ليشعر انه انتصر علي غريمه
ولكنها كانت جميله رقيقه الابتسامه رفيعه الانامل المسحوبه من بين يديه سلام عليه حين يراها تصعد السلالم نحو شقتها شقه عم حمدي فهي جميله ابنته الكبري والتي تدرس في المدرسه الثانوي
هنا تحدث غريب ووصف سواد شعرها واستقامه انفها واستداره شفتيها اصبح ينتظر لقاءها المعتاد بعد العوده من المدرسه ليقف ويمد يده اليها
وهي بابتسامه الحياء تنظر بطرف عينيها وتتركه وحيدا مع خياله
وتقابلا في يوم كان الاحداث ساخنه والوطن ينزف دم ولكنهما كانا يبنيا مستقبل ويتبادلون الاحلام لهم وصغارهم كانوا يضعون اول حجر في جدار علاقه كريمه تستمر بهما حياه طويله بها حب واطفال وكفاح وعيشه كريمه كان هو يقول تلك الكلمات وتمر بجنبه مسيره تهتف (عيش حريه عداله اجتماعيه) يضحكون ويتغامزون ويكملون ما يحلمون دون الفرجه علي المسيره او الحماس لها
ويبقي المجتمعون يتحاورون ويتصارعون وهو بينهم اخرس موافق يومئ براسه وتشغلها هي نعم فان راسه تشغلها جميله كلماتها ضحكاتها احلامها
وبين الحين والاخر يبتسم لوحده وينظر حوله خشيه انهم يفهمون انه يبتسم من اجل التفاته لها او حركه مجنونه فيعود مره اخري للايماء
وفي الجامعه تقترب ساعه الصفر الطلاب يجتمعون ويتحاورون واصدقاءه المقربين يجرونه في تلك الحلقه يدخل في وسطها وتشغله فقط جميله
كان يتعجب انهم يقتلون الحب في هذا الزمن ويشغلون انفسهم بشئون لا يعرفها الا النخب وما نحن الا شعب ولا يحق للشعب ان يقف فمن يقف هو الحاكم او ما يعرفه الحاكم او ما يعجب به الحاكم فينظر في اركان الجامعه لا يجد تلك الثنئيات المعروفه منذ زمن بل يجد مجموعات متناحره باسم الوطن
من يفرضون الدين وطن ومن يفرضون الحياه وطن ومن ينادي بالمواطنه ومن ينادي بالشريعه والقصاص ومن ينادي بلبراليه الفطره وحكمه العلمانيه ومن ينادي بالعلم والتطور العالمي ومن يسكت مثله كثر
لا يملكون الا الايماء في جلسات عم حمدي واقاربه
ويعود مسرعا للقاء جميله وتهتز اطرافه وتدور راسه فقد قبل يدها اليوم
اليوم كان يوم الميلاد فقد مسك يدها ودنا بها الي قلبه ثم نزل عليها منحنيا يقبلها لم يعلم ان هذا هو سر الوجود وانه لم يولد من قبل بل انها اللذه الابديه
ثم تساله جميله في تلك اللحظات الغائره نشوة في قلبه
جميله:ايه رايك في الي بيحصل
غريب :مش عارف اقولك ايه انا مش مصدق نفسي انا بحبك اوووووووووووووووي
جميله :انا قصدي ما يحدث في مصر
ينظر لها غريب ويسكت ويومئ براسه في جلسات عم حمدي دون كلمات
تتركه جميله ايام وتبعد روحه عنه وتتعمد هي ان تدعي المرض لكي لا تخرج من البيت
وفي الجلسه الليليه المعتاده يتكلم غريب بصوت عالي قوي ليس محسوب
غريب :هي جميله بنتك عامله ايه يا عم حمدي
عم حمدي :(باستغراب)كويسه بس انت عرفت منين
غريب :ابدا بسمع
ينظره الجميع مرتبكا لا يومئ براسه بل يحركها بعشوائيه الظنون والخوف علي الحبيبه جميله
وفي الجامعه بدا يتنصت للجماعات المتفرقه ويسجل كلمات رنانه بنغم ثوريه ويسجل في نوتته الصغيره سوف يفاجأ جميله بانه يعرف وانه يمكنه الحديث ليس الايماء فقط
وينتظر لقاء حبيبته في همس طلوع الزائرين والساكنين علي سلالم تلك العقار القديم
يتصنت يفتح سريعا يشعر بالحرج يغلق الباب سريعا ولا تظهر
وفي الليل لم يجلس عم حمدي ولم يجتمع المجتمعين وتظهر جميله تتكأ علي كتف والدها ذاهبه الي المستشفي فهي مرضت بالفعل وازداد المرض قسوه مع البعد وجفاء الحبيب
غريب يصرخ بصوت يسمعه المجتمعين يوميا في منازلهم وتقع جميله بين يدي والدها وتغمض عينيها يحملها عم حمدي الي السياره ويسرع الي المستشفي ويعدو غريب خلف السياره ولا يلحق بها ويسير لا يعرف اين ذهبت . يستمر في سيره حتي يصل الي الميدان الواسع ويجد المجتمعين اكثر واكثر واكثر يدخل بينهم يتجول يضع يده علي وجهوهم يتاكد انهم اناس احياء تزيحه ايديهم بقوه يقع يقف يحمل علم يصرخ فقط (ااااااااااااه ) الكل يجتمع حول يصرخون مثله لا يشعر بهم يصرخ فقط (ااااااااااااااه ) يحملونه يصرخون ويرددون ما يقوله تتجمع المئات الالاف حول كلمه (اااااااااااااه) يصمت يصمتون ويطل المتحدث في تلك الشاشه العريضه في الميدان لقد فرض الحظر من الان وحتي الصباح
يسقط غريب وتذهب الناس ويبقي وحيدا صارخا (اااااااااااااه) ويعدوا ويسير ويترنح وحيدا في ميدانه الواسع يتوجع وينادي حبيبته المريضه المكتئبه في غرفه العنايه المركزه يمتص رحيقها السقم ويذبل جمالها الالم

ثم ياتي من هم يحمون الوطن ليجدوا غريب علي ارضها يحتضن علمها ويرقد نائما وبصدره رصاصه الموت الغادره تتطيح بحبه وذكريات الجميله وقبله الايد المعطره ويموت غريب في ارضه  دون ايماء او رفض من من قتله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق